بسم اللَّه الرحمن الرحيم
قال ابن العثيمين -رحمه اللّٰه تعالى – في شرحه للأربعين النووية، الحديث الخامس والعشرين: والأمر بالمعروف لابد فيه من شرطين
الشرط الأول: أن يكون الآمر عالماً بأن هذا معروف، فإن كان جاهلاً فإنه لا يجوز أن يتكلم، لإنه إذا أمر بما يجهل فقد قال على اللّٰه تعالى ما لا يعلم.
الشرط الثاني: أن يعلم أن هذا المأمور قد ترك المعروف، فإن لم يعلم تركه إياه فليستفصل، ودليل ذلك أن رجلاً دخل يوم الجمعة والنبي -صلى اللّٰه عليه وآله وسلم- يخطب فجلس، فقال له: (أصليت؟. قال: لا، قال: قم فصل ركعتين وتجوز فيهما). فلم يأمره بصلاة ركعتين حتى سأله هل فعلهما أو لا، فلابد أن تعلم أنه تارك لهذا المعروف.
والنهي عن المنكر كذلك لابد فيه من شروط
الشرط الأول: أن تعلم أن هذا منكر بالدليل الشرعي، لا بالذوق ولا بالعادة ولا بالغيرة ولا بالعاطفة، وليس مجرد أن ترى أنه منكر يكون منكراً، فقد ينكر الإنسان ما كان معروفاً
الشرط الثاني: أن تعلم أن هذا المخاطب قد وقع في المنكر، فإن لم تعلم فلا يجوز أن تنهى، لإنك لو فعلت لعد ذلك منك تسرعاً ولأكل الناس عرضك، بل لابد أن تعلم أن ما وقع فيه منكر، مثال ذلك:
رأيت رجلاً في البلد يأكل ويشرب في رمضان ولنقل في المسجد الحرام، فليس لك أن تنكر عليه حتى تسأله هل هو مسافر أم لا؟. لإنه قد يكون مسافراً والمسافر يجوز له أن يأكل ويشرب في رمضان، فلابد أن تعلم أن هذا المخاطب قد وقع في هذا المنكر.
الشرط الثالث: أن لا يزول المنكر إلى ما هو أعظم، فإن زال المنكر إلى ما هو أعظم كان إنكاره حراماً، لإن إنكاره يعني أننا حولناه مما هو أخف إلى ما هو أشد.
وتحت هذه المسألة أربعة أقسام: القسم الأول: أن يزول المنكر بالكلية. القسم الثاني: أن يخف. القسم الثالث: أن يتحول إلى منكر مثله. القسم الرابع: أن يتحول إلى منكر أعظم.
فإذا كان إنكار المنكر يزول فلا شك أن الإنكار واجب. وإذا كان يخف فالإنكار واجب، لإن تخفيف المنكر أمر واجب.
وإذا كان يتحول إلى ما هو مثله فمحل نظر، هل يُرجَّح الإنكار أو لا، فقد يرجح الإنكار لإن الإنسان إذا تغيرت به الأحوال وانتقل من شيء إلى شيء ربما يكون أخف، وقد يكون الأمر بالعكس بحيث يكون بقاؤه على ما هو عليه أحسن من نقله لإنه إذا تعود التنقل انتقل إلى منكرات أخرى.
وإذا كان يتحول إلى ما هو أعظم فالإنكار حرام.
فإذا قال قائل: علل أو دلل لهذه الأقسام؟.
فنقول: أما إذا كان إنكاره يقتضي زواله فوجوبه ظاهر لقول الله تعالى: {وتعاونوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}. سورة المائدة الآية رقم: (٢). وقوله: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}. سورة آل عمران الآية رقم: (١٠٤). وقول النبي -صلى اللّٰه عليه وآله وسلم-: (وَالَّذي نَفسي بيَده لتَأمُرنَّ بِالمَعروفِ وَتَنهَونَّ عَنِ المُنكَر وَلِتَأخُذنَّ عَلى يَدِ الظَالِمِ وَلِتَأطُرَنَّهُ عَلى الحقَِّّ أَطراً). وذكر الحديث وعيداً شديداً.
▪أما إذا كان الإنكار يؤدي إلى تخفيفه فالتعليل أن تخفيف الشر واجب، وقد يقال: “إن الأدلة السابقة دليل على هذا، لإن هذا الزائد منكر يزول بالإنكار فيكون داخلاً فيما سبق“.
أما إذا كان يتحول إلى ما هو أنكر فإن الإنكار حرام، ودليل ذلك قول الله عزّ وجل: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ فَيَسُبُّوا اللّٰهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ}. سورة الأنعام الآية رقم: (١٠٨).
فنهى عن سب آلهة المشركين مع أنه أمر واجب، لإن سب آلهتهم يؤدي إلى سب من هو منزه عن كل نقص وهو اللّٰه عزّ وجل، فنحن إذا سببنا آلهتهم سببنا بحق، وهم إذا سبوا اللّٰه سبوه عدواً بغير حق.
✨ 👈 ويذكر عن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه اللّٰه تعالى- أنه مر مع صاحب له على قوم من التتر يشربون الخمر ويفسقون، ولم ينههم شيخ الإسلام عن هذا فقال له صاحبه: لماذا لا تنهاهم؟. وكان -رحمه اللّٰه تعالى- ممن عرف بإنكار المنكر، فقال: “لو نهيت هؤلاء لقاموا إلى بيوت الناس ونهبوها وانتهكوا أعراضهم، وهذا أعظم مما هم عليه الآن“. –فانظر للفقه في دين اللّٰه عزّ وجل-.
المصدر:
موقع مؤسسة ابن عثيمين: